في الوقت الذي كانت فيه القوات الأميركية تستعد لمغادرة العراق، وعدت وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون بأن "التزام الولايات المتحدة تجاه مستقبل العراق كدولة آمنة ومستقرة وديمقراطية سيظل قويا كما كان دائما ومر ما يقرب من عام ولم يتحقق ذلك، فالدبلوماسيون الاميركيون منعزلون وراء جدران السفارة، ونادرا ما يتجولون في شوارع بغداد، ناهيك عن المدن الاخرى، ولا يدخنون الشيشة أو يتناولون السمك المسكوف في المطاعم الجديدة المنتشرة على ضفاف نهر دجلة في شارع أبو نواس، أو حتى يتناولون الباجة في حي الكرادة. ويقتصر لقاؤهم بالعراقيين الذين يعملون داخل السفارة الاميركية المحصنة، وذلك يعني أن الدبلوماسيين الأميركيين، في الواقع، هم رهائن لعدد محدود من جهات الاتصال، ولا يمكنهم التأكد بأنفسهم من المعلومات التي تردهم أو التحدث مع العراقيين العاديين.
وفي حين انه ليس بجديد على العراقيين حالة العزلة التي تتصف بها المنطقة الخضراء، فإن سوء الفهم الأميركي لواقع العراق ليس خطأ الأميركيين وحدهم، ففي حين يتذرع الدبلوماسيون الأميركيون بحجة واقع الأمن في بغداد كتبرير لضعف تواصلهم مع العراق، لدى الحكومة العراقية ذات المشكلة في التواصل مع واشنطن.
في وقت نرى ان الدبلوماسية في العراق شأن رسمي تختص به السفارة الاميركية، الا انه في الولايات المتحدة يتم النشاط الدبلوماسي خارج السفارة وبعيدا عن وزارة الخارجية، فلأول مرة منذ سقوط صدام حسين، يكون للعراق سفير في الولايات المتحدة يتمتع بثقة رئيس الوزراء، كما انه من المهم أيضا أن يتحدث الدبلوماسيون العراقيون اللغة الإنكليزية بطلاقة، وان كان القليل من الأميركيين العاملين في بغداد يتحدثون اللغة العربية بشكل جيد.
يجب أن لا تكون مهمة الدبلوماسيين العراقيين محصورة بالتعامل مع الدبلوماسيين الأميركيين والبنتاغون، والبيت الأبيض، ولكن للتواصل ايضا مع الصحفيين الأميركيين، والمحللين، والمؤسسات البحثية، وأعضاء الكونغرس، وهنا فشلت الحكومة العراقية.
وزارة الخارجية تنفذ السياسة الاميركية، ولكن في كثير من الأحيان تلك السياسة تصنع داخل الكونغرس. وليس هناك مثال أفضل على ذلك من قانون تحرير العراق لعام 1998 (هو تشريع أصدره الكونغرس الاميركي يدعو لاعتماد سياسة تغيير النظام في العراق) وهو التشريع الذي اذا ما تتبعه المؤرخون فسيجدون انه أدى الى اتخاذ قرار الاطاحة بصدام حسين. لذلك، فمن الضروري بالنسبة للحكومة العراقية اقامة علاقات وثيقة لها داخل الكونغرس الاميركي إذا كانت الحكومة العراقية تأمل في ايصال وجهة نظرها بشأن العديد من القضايا من قبيل قضية الحكم ضد طارق الهاشمي والموقف من سورية والأراضي المتنازع عليها مع اقليم كردستان، وتشريع قانون النفط والغاز العراقي.
النشاط الدبلوماسي ليس كافيا، فلكل من حكومة إقليم كردستان وزعيم ائتلاف العراقية اياد علاوي لوبي خاص يعمل داخل الكونغرس والإعلام الأميركي. وبسبب موقف أميركا مع كل من إيران وحزب الله، فإن مناهضي الشيعة وخصوم المالكي ينجحون في التغلغل في واشنطن. الامر الذي يحتم على الحكومة العراقية ان تجعل صوتها مسموعا في واشنطن. ونتيجة للجهود التي تبذلها حكومات كل من السعودية وتركيا وقطر في بث الرسالة الطائفية بين الاوساط الاميركية المؤثرة وانتقاد المالكي في كل مناسبة يلتقون فيها بمسؤولين أميركيين فإنه حتى أصدقاء العراق التقليديين داخل الكونغرس بدؤوا بالتحول ضده.
العراق بلد مستقل، وليس عميلا للولايات المتحدة، وهو في منطقة تواجه صعوبات وتهديدات حقيقية، ليس فقط من تنظيم القاعدة الذي جدد نشاطه ووجوده في سورية، ومن استمرار الاحتلال التركي لبعض مناطق شمال العراق، ولكن أيضا من قيادة إيرانية تخلط بين الدين والقومية وتعامل العراق كدولة تابعة، ومن المؤسف جدا ان الصوت الوحيد الذي لا يسمع باستمرار في واشنطن هو صوت الحكومة العراقية.